فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله: {يا أيها الذين ءامَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار} يعني: ما حولكم وبقربكم، وهم بنو قريظة والنضير وفدك وخيبر، فأمر الله تعالى كل قوم بأن يقاتلوا الذين يلونهم من الكفار.
قال أبو جعفر الطحاوي: منع الله تعالى نبيه عن قتال الكفار بقوله: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} ثم أباح قتال من يليه بقوله: {قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار}، ثم أباح قتال جميعهم بقوله: {فَإِذَا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ واحصروهم واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصلاة وَءاتَوُاْ الزكواة فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 5] {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين}، يعني: معين لهم ينصرهم على عدوهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا أيها الذين آمَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الكفار} أمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب.
قال ابن عباس: مثل قريظة والنضير وخيبر وفدك ونحوها.
ابن عمر: أراد بهم الروم لأنهم كانوا سكان الشام يومئذ، والشام كانت أقرب إلى المدينة من العراق.
وكان الحسن إذا سئل عن قتال الروم والديلم تلا هذه الآية.
{وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} شدة وحمية، وقال الضحاك: جفاء، وقال الحسن: صبرًا على جهادهم {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} بالعون والنصر. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَآمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكُفَّارِ}
فيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنهم الروم قاله ابن عمر.
الثاني: أنهم الديلم، قاله الحسن.
الثالث: أنهم العرب، قاله ابن زيد.
الرابع: أنه على العموم في قتال الأقرب فالأقرب والأدنى فالأدنى، قاله قتادة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}
قد أُمر بقتال الكفار على العموم، وإنما يُبتدَأ بالأقرب فالأقرب.
وفي المراد بمن يليهم خمسة أقوال:
أحدها: أنهم الروم، قاله ابن عمر.
والثاني: قريظة، والنضير، وخيبر، وفدك، قاله ابن عباس.
والثالث: الديلم، قاله الحسن.
والرابع: العرب، قاله ابن زيد.
والخامس: أنه عام في قتال الأقرب فالأقرب، قاله قتادة.
وقال الزجاج: في هذه الآية دليل على أنه ينبغي أن يقاتل أهل كل ثغر الذين يلونهم.
قال: وقيل كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما تخطَّى في حربه الذين يلونه من الأعداء ليكون ذلك أهْيَبَ له، فأُمر بقتال من يليه ليُستَنَّ بذلك.
وفي الغلظة ثلاث لغات: غِلظة، بكسر الغين؛ وبها قرأ الأكثرون.
وغَلظة، بفتح الغين، رواها جبلة عن عاصم.
وغُلظة بضم الغين، رواها المفضل عن عاصم.
ومثلها: جِذوة وجَذوة وجُذوة، ووِجنة ووَجنة ووُجنة، ورِغوة ورَغوة ورُغوة، ورِبوة ورَبوة ورُبوة، وقِسوة وقَسوة وقُسوة، وإِلوة وأَلوة وأُلوة، في اليمين.
وشاة لِجْبة ولَجْبة ولُجْبة: قد ولىَّ لبنها.
قال ابن عباس في قوله: {غلظة}.
شجاعة وقال مجاهد: شدة. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}
فيه مسألة واحدة وهو أنه سبحانه عرّفهم كيفية الجهاد وأن الابتداء بالأقرب فالأقرب من العدوّ؛ ولهذا بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرب، فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام.
وقال الحسن: نزلت قبل أن يؤمر النبيّ صلى الله عليه وسلم بقتال المشركين؛ فهي من التدريج الذي كان قبل الإسلام.
وقال ابن زيد: المراد بهذه الآية وقت نزولها العربُ، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم: {قَاتِلُواْ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالله} [التوبة: 29].
وقد رُوي عن ابن عمر أن المراد بذلك الدّيْلم.
ورُوي عنه أنه سئل بمن يبدأ بالروم أو بالديلم؟ فقال بالرّوم.
وقال الحسن: هو قتال الديلم والترك والروم.
وقال قتادة: الآية على العموم في قتال الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى.
قلت: قول قتادة هو ظاهر الآية، واختار ابن العربي أن يبدأ بالروم قبل الدّيلم؛ على ما قاله ابن عمر لثلاثة أوجه.
أحدها أنهم أهل كتاب، فالحجة عليهم أكثر وآكد.
الثاني أنهم إلينا أقرب، أعني أهل المدينة.
الثالث أن بلادنا الأنبياء في بلادهم أكثر فاستنقاذها منهم أوجب.
والله أعلم.
{وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} أي شدّة وقوة وحميّة.
وروى الفضل عن الأعمش وعاصم {غَلْظة} بفتح الغين وإسكان اللام.
قال الفرّاء: لغة أهل الحجاز وبني أسد بكسر الغين؛ ولغة بني تميم {غُلظة} بضم الغين. اهـ.

.قال الخازن:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} أمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب قال ابن عباس: مثل قريظة والنضير وخيبر ونحوها.
وقال ابن عمر: هم الروم لأنهم كانوا مكان الشأم والشأم أقرب إلى المدينة من العراق.
وقال بعضهم: هم الدليم.
وقال ابن زيد: كان الذين يلونهم من الكفار العرب فقاتلوهم حتى فرغوا منهم فأمروا بقتال أهل الكتاب وجهادهم حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد.
ونقل عن بعض العلماء أنه قال: نزلت هذه الآية قبل الأمر بقتال المشركين كافة فلما نزلت: {وقاتلوا المشركين كافة} صارت ناسخة لقوله تعالى: {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} وقال المحققون من العلماء: لا وجه للنسخ، لأنه سبحانه وتعالى لما أمرهم بقتال المشركين كافة أرشدهم إلى الطريق الأصوب الأصلح وهو أن يبدؤوا بقتال الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد وبهذا الطريق يحصل الغرض من قتال المشركين كافة لأن قتالهم في دفعة واحدة لا يتصور، ولهذا السبب قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا قومه، ثم انتقل منهم إلى قتال سائر العرب ثم انتقل إلى قتال أهل الكتاب وهم: قريظة، والنضير، وخيبر، وفدك، ثم انتقل إلى غزو الروم في الشأم فكان فتح الشأم في زمن الصحابة ثم إنهم انتقلوا إلى العراق ثم بعد ذلك إلى سائر الأمصار لأنه إذا قاتل الأقرب تقوى بما ينال منهم من الغنائم على الأبعد.
قوله سبحانه وتعالى: {وليجدوا فيكم غلظة} يعني شدة وقوة وشجاعة والغلظة ضد الرقة.
وقال الحسن: صبرًا على جهادهم {واعلموا أن الله مع المتقين} يعني بالعون والنصرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة}
لما خص تعالى على التفقه في الدين، وحرض على رحلة طائفة من المؤمنين فيه، أمر تعالى المؤمنين كافة بقتال من يليهم من الكفار، فجمع من الجهاد جهاد الحجة وجهاد السيف.
وقال بعض الشعراء في ذلك:
من لا يعدله القرآن كان له ** من الصغار وبيض الهند تعديل

قيل: نزلت قبل الأمر بقتل الكفار كافة، فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام.
وضعف هذا القول بأنّ هذه الآية من آخر ما نزل.
وقالت فرقة: إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تجاوز قومًا من الكفار غازيًا لقوم آخرين أبعد منهم، فأمر الله بغزو الأدنى فالأدنى إلى المدينة.
وقالت فرقة: الآية مبينة صورة القتال كافة، فهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة، ومعناها: أنّ الله تعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجيش الذي يضايقه من الكفرة، وهذا هو القتال لكملة الله ورد البأس إلى الإسلام.
وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض على من اتصل به من المؤمنين كفاية عدوّ ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد.
وقال: قاتلوا هذه المقالة نزلت الآية مشيرة إلى قتال الروم بالشام، لأنهم كانوا يومئذ العدوّ الذي يلي ويقرب، إذ كانت العرب قد عمها الإسلام، وكانت العراق بعيدة، ثم لما اتسع نطاق الإسلام توجه الفرض في قتال الفرس والديلم وغيرهما من الأمم، وسأل ابن عمر رجل عن قتال الديلم فقال: عليك بالروم.
وقال علي بن الحسين والحسن: هم الروم والديلم، يعني في زمنه.
وقال ابن زيد: المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}
إلى آخرها.
وقيل: هم قريظة والنضير وفدك وخيبر.
وقال قوم: تحرجوا أن يقاتلوا أقرباءهم وجيرانهم، فأمروا بقتالهم.
ويلونكم: ظاهره القرب في المكان.
وقيل: هو عام في القرب في المكان، والنسب والبداءة بقتال من يلي لأنه متعذر قتال كلهم دفعة واحدة، وقد أمرنا بقتال كلهم، فوجب الترجيح بالقرب كما في سائر المهمات كالدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولأن النفقات فيه، والحاجة إلى الدواب والأدوات أقل، ولأن قتال الأبعد تعريض لتدارك المسلمين إلى الفتنة، ولأن الدين يكون إن كانوا ضعفاء كان الاستيلاء عليهم أسهل، وحصول غير الإسلام أيسر.
وإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلام أشد، ولأن المعرفة بمن يلي آكد منها بمن بعد للوقوف على كيفية أحوالهم وعَددهم وعُددهم، فترجحت البداءة بقتال من يلي على قتال من بعد.
وأمر تعالى المؤمنين بالغلظة على الكفار والشدّة عليهم كما قال تعالى: {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم} وذلك ليكون ذلك أهيب وأوقع للفزع في قلوبهم.
وقال تعالى: {أعزة على الكافرين} وفي الحديث: «ألقوا الكفار بوجوه مكفهرة» وقال تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا} وقال: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا} والغلظة: تجمع الجرأة والصبر على القتال وشدة العداوة، والغلظة حقيقة في الأجسام، واستعيرت هنا للشدة في الحرب.
وقرأ الجمهور: غلظة بكسر الغين وهي لغة أسد، والأعمش وأبان بن ثعلب والمفضل كلاهما عن عاصم بفتحها وهي لغة الحجاز، وأبو حيوة والسلمي وابن أبي عبلة والمفضل وابان أيضًا بضمها وهي لغة تميم، وعن أبي عمر وثلاث اللغات ثم قال: واعلموا أنّ الله مع المتقين لينبه على أن يكون الحامل على القتال ووجود الغلظة إنما هو تقوى الله تعالى، ومن اتقى الله كان الله معه بالنصر والتأييد، ولا يقصد بقتاله الغنيمة، ولا الفخر، ولا إظهار البسالة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ قَاتِلُواْ الذين يَلُونَكُمْ مّنَ الكفار} أُمروا بقتال الأقربِ منهم فالأقرب كما أُمر عليه الصلاة والسلام أولًا بإنذار عشيرتِه فإن الأقربَ أحقُّ بالشفقة والاستصلاحِ. قيل: هم اليهودُ حوالي المدينة كبني قرُيظةَ والنَّضير وخيبَر، وقيل: الرومُ فإنهم كانوا يسكنون الشامَ وهو قريبٌ من المدينة بالنسبة إلى العراق وغيره {وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً} أي شدة وصبرًا على القتال وقرئ بفتح الغين كسَخْطة وبضمها وهما لغتان فيها {واعلموا أَنَّ الله مَعَ المتقين} بالعصمة والنصرة والمرادُ بهم إما المخاطَبون، ووضعُ الظاهرِ موضعَ الضمير للتنصيص على أن الإيمانَ والقتالَ على الوجه المذكور من باب التقوى والشهادةِ بكونه من ومرة المتقين، وإما الجنس وهم داخلون فيه دخولًا أوليًا والمرادُ بالمعية الولايةُ الدائمةُ، وقد ذُكر وجهُ دخولِ مع على المتبوع في قوله تعالى: {إِنَّ الله مَعَنَا}. اهـ.